لم يعد المجتمع ينظر إلى الاكتئاب على أنه وصمة عار، لا سيما مع الانفتاح أكثر على أنه مرض يصيب الأشخاص تماماً كما الأمراض الأخرى، وهو يتطلّب علاجاً متخصصاً. من المهم عدم الاستهانة بهذا المرض، فهو ليس مزاجاً أو طبعاً شخصياً يسهل تخطّيه والتخلّص منه، كما أنه ليس مجرد شعور بالحزن أو ردّة فعل موقتة حيال حدث مؤلم معيّن. فالاكتئاب المرضي يمكن أن يتداخل مع الحياة اليومية للمرضى ويعيق المريض من القيام بنشاطاته اليومية.
ما هي أنواع الاكتئاب المرضي؟
تختلف أنواع الاكتئاب المرضي من شخص إلى آخر، ويمكن التمييز بينها إما من خلال حدّة الأعراض أو من خلال اختلافها عن بعضها. ويوزّع الاكتئاب المرضي على الفئات التالية:
– الاكتئاب السريري، الذي يعرف أيضاً بالاكتئاب الكبير، يعتبر أحد الأنواع الأشد حدة حيث تكون الأعراض شديدة الخطورة وتؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمريض. كما أن هذه الحالة تمنع المريض من إتمام مهامه اليومية ومن الاستمتاع بالنشاطات الترفيهية وتمضية الوقت برفقة الأهل والأصدقاء. يمكن ان يختبر المريض نوبة واحدة من الاكتئاب السريري طيلة حياته، ولكن من المحتمل أن تكرّر النوبات لدى العديد من المرضى.
– الاكتئاب المستمر أو كما يعرّف في بعض المصطلحات الطبية بخلل التوتة أو الاكتئاب الجزئي. يستمرّ هذا الاكتئاب لمدة سنتين أو أكثر. قد يعاني المريض من نوبات من الاكتئاب الكبير بين حين وآخر، تزامناً مع نوبات من الاكتئاب ذات الأعراض الأقل حدّة. ومن أبرز الأعراض التي تظهر لدى مرضى هذا النوع من الاكتئاب: ضعف النشاط البدني والاهتمام بالنشاطات اليومية، الشعور بالخيبة وفقدان الأمل، عدم الثقة بالنفس مع ضعف في الإنتاجية سواء في العمل أو الدراسة.
– الاكتئاب الذهاني هو أيضاً أحد أنواع الاكتئاب المرضي الأكثر حدة، حيث يمكن ان يترافق مع بعض الأعراض المرتبطة بحالات مرضية نفسية، مثل الهلوسة والذهان والتوهّم. وفي غالب الأحيان، يميل المرضى إلى التفكير المستمر بالموت والانتحار.
– اكتئاب ما بعد الحمل وهو يصيب النساء بعد الولادة نتيجة التغيرات الهرمونية التي يشهدها الجسم، بالإضافة إلى التغيرات الجسدية والمسؤوليات الجديدة الملقاة على عاتق الأم. وتظهر لدى النساء أعراض عديدة مثل فقدان الأمل وعدم الثقة بالنفس وفقدان الاهتمام بالطفل. وفي بعض الأحيان، قد تعاني المرأة من رغبة التسبب بالأذى لنفسها أو لطفلها.
– الاضطراب العاطفي الموسمي الذي يرتبط بفصول السنة وتغيّرها على مدار العام، فتظهر أعراضه كل عام في التوقيت عينه. غالباً ما يكون هذا الاكتئاب شائعاً في فصل الشتاء، حيث تبدأ الأعراض بالظهور في الخريف وتستمر حتى نهاية فصل الشتاء. ويمكن في بعض الحالات النادرة ان يعاني عدد من الأشخاص من الاضطراب العاطفي الموسمي في فصليّ الربيع او الصيف.
ما هي أعراض الاكتئاب المرضي
وضع المعهد الوطني الاميركي للصحة النفسية قائمة بأبرز الأعراض والمؤشرات التي تدلّ على أن الشخص يعاني من الاكتئاب. وفي حال لاحظ المريض ظهور أحد الأعراض لديه واستمرارها لمدة أسبوعين أو أكثر، فمن المحتمل أنه يعاني من الاكتئاب المرضي. وحدّد المعهد الاعراض على الشكل التالي:
– الشعور المستمر بالحزن والهمّ
– فقدان الاهتمام وعدم الرغبة في ممارسة أي نشاطات
– ضعف جسدي وتعب وإرهاق
– صعوبات في النوم والشعور بالأرق ليلاً أو الاستيقاظ باكراً
– خسارة أو زيادة في الوزن يرافقه أحياناً فقدان أو زيادة في الشهية
– التشاؤم وفقدان الأمل والرغبة في الحياة مع شعور بالذنب
– صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات
– التفكير المستمر بالموت ومحاولة الانتحار
وفي بعض الأحيان، يمكن أن تظهر لدى المريض بعض الأعراض الجسدية التي تثير القلق، وقد تختلف هذه الأعراض من شخص إلى آخر، كما أن حدتها قد تكون متفاوتة من مريض إلى آخر.
لذا من المهم عند ملاحظة أي من الاعراض المذكورة واستمرارها لمدة أسبوعين أو أكثر، أن تراجعوا الطبيب النفسي. ويمكنكم استشارة الأطباء النفسيين المتخصصين في مراكز نوفومد للحصول على الرعاية الطبية الدقيقة.
ما هي أسباب الإصابة بالاكتئاب المرضي
كما هو الحال بالنسبة للأمراض الأخرى، ينتج الاكتئاب المرضي عن العديد من الأسباب منها ما هو بيولوجي ومنها ما هو بيئي يرتبط بمحيط الشخص والأحداث التي يتعرّض لها. ومن بين هذه الأسباب:
– تاريخ عائلي بالإصابة بالاكتئاب المرضي
– التعرّض لمواقف وأحداث تشكّل صدمة إلى الشخص مثل وفاة أحد المقربين أو انتحاره، أو خسارة كبيرة، أو انفصال
– التقلّب المزاجي في الصباح الذي يمكن ان ينعكس على المزاج طيلة اليوم
– بعض الأمراض الجسدية المزمنة مثل أمراض القلب والشرايين، السرطان، الالزهايمر وغيرها
– بعض الأدوية التي تؤثر على الحالة النفسية وتسبّب بعض التغيرات الهرمونية والتي يتمّ تناولها لفترة طويلة
ما هي مضاعفات الإصابة بالاكتئاب المرضي
يمكن للاكتئاب المرضي أن يؤثر على جودة حياة المرضى ونمط حياتهم، ما يؤدي إلى تغيرات كثيرة في سلوكهم وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية، وفي أدائهم المهني. ومن بين أبرز المضاعفات:
– الإفراط في تناول الكحول وتعاطي المخدّرات
– القلق المستمر والأرق والهلوسة
– مشاكل مختلفة ومتفاقمة في العمل وضمن العائلة ومع الأصدقاء
– الميل إلى الانعزال والوحدة وتفادي اللقاءات الاجتماعية والمناسبات
– التفكير المستمر بالموت ومحاولة الانتحار
– بعض المشاكل الجسدية مثل أمراض القلب، ضيق في التنفس، الصداع
كيف يتم تشخيص الاكتئاب المرضي
للتمكّن من توفير العلاج المناسب لمرضى الاكتئاب المرضي، لا بد من أن يلجأ الطبيب الى التشخيص الدقيق للحالة، بدءاً بدراسة الأعراض وتقييمها ومن ثم تحديد نوع الاكتئاب. ويعتمد الطبيب النفسي خلال التشخيص العديد من الخطوات، وهي:
– فحوصات نفسية خاصة بالأعراض والأفكار التي تراود المريض والتقلّب المزاجي
– الفحوصات الجسدية التي تقوم على تحديد الأسباب الكامنة وراء الأعراض الجسدية
– التقييم النفسي مع وضع قائمة بالأعراض التي تنتاب المريض وتسجيلها على مدوّنة خاصة
فمن خلال التشخيص الدقيق والتقييم الطبيّ الشامل، يمكن للطبيب أن يحدّد العلاج الملائم لكل مريض حسب حالته.
الخطوات العلاجية
تتمثل أبرز خطوات العلاج بالعلاج السلوكي المعرفي حيث نصب التركيز على أنماط تفكير التي يتبناها المرضى وكيفية إدارة الحوارات مع ذاتهم لتفسير المواقف. تشير الأبحاث التي أجراها المعهد القومي الأمريكي للصحة العقلية إلى أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يفسرون العديد من المواقف بشكل غير صحيح وغير واقعي. إذا أن الأفكار التي ترواد ال شخص تؤثر بشكل ملحوظ على شعوره ويترتب عن ذلك وجوب تعلم كيفية تغيير ثغرات التفكير تفادياً للوقوع في الاكتئاب
غالباً ما يعاني الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب من توارد متواصل للأفكار السلبية والتي قد تتمحور حول ما يلي:
- نظرة سلبية للذات، لوم الذات وانتقاد الذات
- تفسير الأحداث بصورة سلبية
- وجود توقعات سلبية
- الشعور بالإرهاق من المسؤوليات
بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى معالجة ثغرات التفكير والتي قد تشتمل على ما يلي:
- الإفراط في التعميم ( كالإفادة بأقوال معممة “لا أحد يحبني”)
- الميل إلى المبالغة (على سبيل المثال ، تفسير العقبات البسيطة على أنها كوراث عظيمة)
- التغاضي عن الجوانب الإيجابية والتركيز على الجوانب السلبية فقط
يمكن للأشخاص الذين يعانون من الإكتئاب تعلم رصد الأفكار السلبية تحت إشراف أخصائيي العلاج النفسي وتقييم صحتها واستبدالها بأفكار أكثر واقعية.
يقدم أخصائيو علم النفس المساعدة اللازمة لابتكار طرق للتعامل مع المشاكل اليومية بفعالية عالية، فضلاً عن تعليم الشخص المهارات التي تساعده على الشعور بالتحسن وتعزز من الاستجابة الإيجابية لمختلف المواقف بغض النظر عن حجم الصعوبات التي قد تتخللها.